اللغة السامية في الكتابات التي عثر عليها
هنا جاء التحليل الآخر الذي دائماً يمدنا -وهو من أفضل ما يمدنا- بالمعلومة الدقيقة والصحيحة في هذا الشأن، وهو ما يتعلق باللغة؛ عندما كان المفتاح لفهم الحضارات ولفهم التاريخ كله هو الكتابات التي وجدت وحين حلت رموزها وفكت، أصبح هناك مجال واسع واتسعت آفاق المعرفة التاريخية البشرية اتساعاً هائلاً جداً عن طريق الكتابة. إذاً تحليل الكتابة وتتبع أصول الكتابة يعطينا دلالة عميقة على أصل هؤلاء الأقوام, وعلى نشأتهم, وعلى الموطن الذي جاءوا منه.من هنا بدءوا يتتبعون، وكانت المفاجآت تشبه أيضاً المفاجآت فيما يتعلق بالأدوات، وفيما يتعلق بالحضارة الشكلية أو الحضارة المادية للإنسان، سواء كان في الهلال الخصيب بلاد الشام و العراق أو في مصر أو في غيرها.مع أن هناك أيضاً من يقول: إن أصل الحضارة قد يكون أواسط آسيا أو قد يكون الحبشة, أو قد يكون أوروبا ، لو كان كذلك لا إشكال عندنا في الإسلام؛ لكن هم بأنفسهم تبين لهم بعد جهد جهيد جداً أن الدلالات اللغوية والحضارية تثبت وتشير دائماً إلى أن جزيرة العرب هي المنبع وهي الأصل.نعم لم تحظ جزيرة العرب بالتنقيب الذي يكفي في نظرهم؛ لأنه لم يستطع أن يخترقها منهم إلا عدد قليل في تلك الأيام، ولا تزال حتى الآن تشبه الأرض البكر في كثير من جوانبها لم تكتشف على منهجهم في اكتشاف الماديات؛ لكن في الحقيقة أن هناك بحوثاً تقدمت جداً حتى أمكن أن يصلوا إلى ما يشبه اليقين، وأصبح كثير منهم الآن يصرح به؛ وهي: أن جزيرة العرب هي الموطن الأصلي لما يسمى المجموعات السامية التي كانت عن طريقها الهجرات إلى بلاد الرافدين وإلى مصر وغيرها، وكل الحضارات هذه تقريباً تتكلم بلهجة أو بلغة يمكن أن نرجعها في النهاية إلى أنها اللغة السامية كما يقولون. لماذا قالوا: السامية؟! لاحظ أنه في نسب القبائل العربية ممكن أنت أن تنتسب فتقول: أنا مثلاً عربي، تنسب للعرب باعتبار العرب جميعاً نسب واحد، وممكن تنتسب إلى قبيلتك التي تنتمي إليها؛ لكن عندما يأتي أحد فلا يذكر القبائل الدنيا مطلقاً وينسب إلى الأصل أو المرجع القديم, فمعنى ذلك أن له هدفاً؛ وهو: دمج المجموعات جميعاً في بعضها؛ لأن التاريخ التوراتي يفصل الجماعة اليهودية فصلاً كاملاً عن بقية البشر، فـ التوراة وكل الأسفار التي فيها كلها تتكلم بشكل محوري مركزي شديد على بني إسرائيل ولا تتعرض لغيرهم.والطرف الآخر هم بنو إسماعيل، هؤلاء بنو إسحاق وهؤلاء بنو إسماعيل فهم العرب، فحتى لا يكون هناك يهود أو تاريخ توراتي، وتاريخ عربي وتاريخ إسماعيلي، دمجوا الجميع تحت أصل سامي, يعني: هذا أحد الأسباب, ولا يريدون أن يقولوا: إنه أصل عربي أو أن هذه هي أمم عربية.نوضح نحن الموقف أولاً أو نستغل هذا ونقول: هل نحن فعلاً نقول الآن أو حتى نفتخر أن هؤلاء كانوا عرباً؟ حتى لو كان السومريون عرباً فضلاً عن أن الآكاديين ومن بعدهم من آشور والكنعانيين والآراميين وغيرهم الآن تقريباً مجمع على أنهم عرب؛ لكن سومر مثلاً -ليس لأن هذا يهمنا كثيراً لكن لأن الحقائق بدأت تتجمع حول هذا الموضوع- فنقول مثلاً تذكيراً بما قلنا في الماضي: إن العرب كانت تقسم التاريخ قسمة بعيدة عن القسمة الأوروبية، فهي تنظر للتاريخ إلى أنه من إسماعيل فصاعداً فهذا تاريخ يعتبر حديثاً وقريباً جداً، ومن إسماعيل وإبراهيم عليهما السلام فما قبل فهو التاريخ القديم؛ عاد وثمود والقرون الأولى هذه في التاريخ القديم للعرب.نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم حدد في حديث صححه الشيخ الألباني رحمه الله: (أول من فتق لسانه بالعربية المُبِينة إسماعيل), إذاً: من إسماعيل عليه السلام إلى الآن هؤلاء العرب الذين يتكلمون باللسان العربي المبين.إذاً: لدينا نوعان من العربية: العربية القديمة، والعربية الحديثة المتأخرة المبينة التي نزل بها القرآن (( بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ))[الشعراء:195].الأمم العربية القديمة كعاد وثمود لا تزال اللغة التي تكلّمتها أو بقايا تلك اللغة -كما هي محفوظة في أخبار العرب وفي أشعارها- عربية اللسان! وهذه الأمم هي التي هاجرت، ومن الطبيعي أنها مع الهجرة إلى بلاد الشام أو العراق أو مصر تختلط اللغات وتتأثر، واللهجات تزداد وتتوسع؛ فظهرت لهجات كثيرة جداً: السومرية، الآرامية، اللغة المصرية القديمة, ظهرت أيضاً في العراق: الآكادية، والآشورية, وهكذا, لغات كثيرة ولكنها جميعاً -كما حللها اللغويون- يسمونها اللغات السامية.وسوف نقرأ هذا الكلام من كتب أهل الكتاب لنعرف أن القضية هي قضية تكبير للعائلة وتعميم؛ حتى يفروا من تحديد هوية اليهود واللغة العبرية, وأنها لا تشكل إلا جزءاً يسيراً من التاريخ العربي القديم.بمعنى أن هذه القبيلة التي تحتكر إبراهيم عليه السلام وتحتكر تاريخه وتهمل الابن الأكثر عدداً، -كما في نصوص التوراة وهو إسماعيل وأبناؤه الكثيرون جداً- إن هذه اللغة نفسها ما هي إلا لهجة عربية، يعني: اللغة العبرية هي نوع من اللهجات العربية المتفرعة عما يسمونه اللهجة السامية.في إمكاننا نحن أن نقول بدلاً من السامية: اللهجة العربية القديمة. وسام هو عندهم ابن نوح؛ فإذاً القضية هي قضية عربية قديمة وعربية حديثة.نأتي الآن بما يدعم ذلك من الكتب.نقرأ في دائرة المعارف الكتابية التي كتبوها بعنوان: اللغة العبرية.عندما يتكلمون عن اللغة العبرية يقولون: إن اللغة العبرية هي لغة الشعب الإسرائيلي, كما أنها اللغة الأصلية لأسفار العهد القديم؛ فاللغة العبرية هي إحدى اللغات السامية الشمالية الغربية. لماذا؟قال: لأن هذه تشمل كافة اللغات الكنعانية بمختلف لهجاتها -وهذه تهمنا جداً- والآرامية بما فيها السريانية التي اشتقت منها, والسينائية والأوغارتية والفينيقية والموآبية, كلها قد يأتي لها تفصيل فيما بعد إن شاء الله. ثم تكلم عن اللغات السامية الشمالية الشرقية فتشمل: الآكادية وما تفرع عنها من بابلية وآشورية.لغة آكاد قد تكون (عقد) باللغة العربية؛ لأننا نقرأ هذه الأسماء بعد أن حرفها الغربيون عن قراءتها في لغتها الأصلية، فآكاد هي والله أعلم (عقد) أو (عقّاد) أو ما أشبه ذلك؛ فهذه تفرعت عنها البابلية والآشورية في العراق ، وأسماء الملوك تدل على ذلك؛ جمدة نصر أقدم ما يتكلمون عنه، وكذلك أسماء الملوك الآخرين -لعلنا نستعرض ذلك فيما بعد- المقصود أن هذه هي كما يعبر عنها اللغات الشمالية.أما اللغات السامية الجنوبية فتشمل العربية الشمالية والجنوبية والحبشية، ولكل لغة من هذه اللغات أهميتها في فهم اللغة العبرية لصلتها الوثيقة بها. قال: أصلها -يعني: أصل اللغة العبرية- إحدى اللغات الكنعانية؛ ولذلك تُسمى لغة كنعان بن أشعياء كما تسمى باللسان اليهودي، وذكر تاريخ تسميتها بالعبرية, وأن الشعب العبراني من أصل آرامي بناء على إحالة لديهم في التكوين؛ أن إبراهيم عليه السلام كان آرامياً، وآرام هم بقية عاد التي ذكرها الله تبارك وتعالى في قوله: (( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ ))[الفجر:6-7], بقية إرم أو آرام كما تختلف في نطقها اللغات. فيقولون: إن إبراهيم عليه السلام كان عبداً آرامياً، والشعب العبري يجعلونهم من اليهود، وليس أنبياء الله تعالى بيهود على الإطلاق، فالشعب العبري هذا يقولون: إنه شعب آرامي، ولغته اللغة الكنعانية.نوضح ذلك أكثر -ونعتذر على الإطالة- يقول مثلاً: مميزاتها: اللغة العبرية لغة أبجدية تتكون من اثنين وعشرين حرفاً، تجمعها: أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت.. إلى آخره؛ التي هي طبعاً بالضبط موجودة في اللغة العربية! فكونها لغة عبرية تقوم على هذه التهجئة: أبجد هوز.. إلخ؛ فهي إذاً نفس الحروف العربية القديمة جاءتهم عن طريق الكنعانيين، فهي إحدى فروع اللغة العربية, ولا تزال حتى الآن وثيقة الصلة باللغة العربية الحالية, فضلاً عن اللغة العربية القديمة.فإذا ثبت هذا في اللغة العبرية فما يعترفون هم به أنه لغات عربية -وإن سموها أحياناً سامية- فهو أجدر وأحرى أن يكون لغة عربية قديمة. نحن مع مؤلفي كتاب: العراق في التاريخ عندما قالوا في ذكر الآكاديين: وبمناسبة ذكر مصطلح الساميين لا بد لنا من الإشارة هنا إلى أن هناك اتفاقاً في الرأي بين معظم الآثاريين, وفي مقدمتهم العراقيون على ضرورة إعادة النظر في هذا المصطلح الذي لا يستند في الواقع إلى أساس تاريخي مقبول.ويقول: وكان الكاتب -يعني: الذي كتب هذا- من بين القائلين بضرورة إيجاد مصطلح بديل له، مثل: قبائل الجزيرة -يعني: بدلاً من أن يقولوا: ساميين يقولون: قبائل الجزيرة- أو الجزريين؛ للإشارة إلى تلك القبائل التي كان موطنها الأصلي جزيرة العرب, والتي كانت تتكلم لغات أو لهجات تعود في أصلها إلى لغة واحدة هي لغة الجزيرة, والتي كانت أيضاً تتشابه إلى جانب ذلك بجملة من السمات التاريخية والحياة المعاشية والأعراف والتقاليد والقوانين والمعتقدات الدينية.